ملاحظات
حول تنفيذ مشروع بيت الحكماء والنخب
وجامعة المستقبل في برلين
د. نزار محمود
مدير المعهد الثقافي العربي
انطلاقاً من الإطار العام الذي عرضه الدكتور سعيد عبد الله سلمان، رئيس شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا ورئيس رابطة المؤسسات العربية الخاصة للتعليم العالي، بخصوص مشروع “بيت الحكماء والنخب” وأداتها “جامعة المستقبل المزمع تأسيسها في برلين والأهداف المؤمل تحقيقها من خلال الرؤى الإستراتيجية وعمليات التلاقح الفكري، وتفاؤلي الشخصي بجدوى المشروعين وإمكانات قيامهما*، وتيمناً بالآراء والنقاشات التي طرحت ودارت في لقاء يوم الجمعة المصادف 25/2/2005 في بعثة الجامعة العربية وبدعوة منها، وبدائل الصيغ القانونية الممكنة لتنفيذ هذين المشروعين وهيكلية وآليات عملها ومجالاته، وبناءً على طلب الأخ الأستاذ سالم قواطين، سفير الجامعة العربية في برلين، وما طرأ من أفكار جديدة، اسمحوا لي بتلخيص ما يمكن أن أساهم به من رأي وتأييد.
إن فكرة المشروعين في أهدافها وجدواها جديرة بالدعم، وحلماً ممكن التحقيق، بعون الله، وإنجازاً نوعياً لجميع الأطراف التي ساهمت وتساهم به، وتعزيزاً لعلاقات التعاون بين العالم العربي وألمانيا.
وبديهي أن يتوجب تحديد صيغة تحقيق تلك الأهداف تبعاً لجملة من الاعتبارات:
– السياسية
– القانونية
– الإدارية
– الاختصاصية
– المالية
الجانب السياسي:
إن تنفيذ مشروعي “بيت الحكماء والنخب” و “جامعة المستقبل” في ألمانيا وبالذات العاصمة برلين، يقوم بالتأكيد بموجب اعتبارات سياسية معينة، أشار إلى بعضها الدكتور سلمان أثناء محاضرته في اللقاء المشار إليه أعلاه، من كون ألمانيا بلد النظامية والإبداع، وأنه ليس في تأريخ العلاقة بين العرب والألمان غير ما يشجع على مثل هذا التعاون. يضاف إلى ذلك العديد من الفعاليات والمحاولات لدعم تطور العلاقات الألمانية مع بلدان العالم العربي على جميع الأصعدة الاقتصادية والعلمية والثقافية. إن الزيارة الحالية للمستشار الألماني غيرهارد شرودر على رأس وفد رفيع المستوى لدول الخليج العربي وبقائه لمدة أسبوع عمل تقريباً وما تقوم به غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية من فعاليات ولقاءات وزيارات متبادلة واستضافة معرض فرانكفورت للكتاب عام 2004 للعالم العربي، وأيام العالم العربي في البرلمان الاتحادي الألماني، ودعوة الأمين العم للجامعة العربية الأستاذ عمر موسى لتأسيس مركز ثقافي عربي في برلين، وافتتاح أول جامعة ألمانية في القاهرة وقرب البدء بالدراسة في الكلية التقنية الألمانية في الأردن والمحاولات الأخرى لتأسيس مثل تلك المؤسسات العلمية الألمانية في بلدان الوطن العربي الأخرى إلاُ بعض الأمثلة على تعزيز صواب اختيار ألمانيا وبرلين كمقر لهذين المشروعين في الاعتبار السياسي.
الجانب القانوني:
يشكل الجانب القانوني في جوازه وملاءمته أساساً لإمكانية البدء بتنفيذ المشروع ونجاحه. ولما كان الأمر يتعلق بمؤسسة علمية هي “جامعة المستقبل” ومشروع “بيت الحكماء والنخب” للتلاقح الفكري ولتبادل الخبرات والكفاءات، فإنه يتوجب قيام مؤسسة ذات شخصية قانونية مسجلة، تعمل وفق ضوابط ومتطلبات تحددها القوانين والأنظمة ذات العلاقة. وفي هذا الخصوص هناك صيغ قانونية متعددة، لكل منها ضوابطه ومستلزماته وشكل إدارته وحدود صلاحياته وقراراته. وفي ما يلي عرضاً لبعض الصيغ الممكنة لتنفيذ مشروعي الجامعة وبيت الخبرة والكفاءة:
صيغة الجمعية ذات النفع العام:
يعد اقتراح تأسيس جمعية غير ربحية، أي ذات نفع عام، بموجب نظام داخلي يحدد اسمها ومقرها وأهدافها ومهامها وأسلوب إدارتها واتخاذ قراراتها ومصادر تمويلها وجهة أيلولة أملاكها في حالة تصفية أعمالها، وما يمكن أن تحصل عليه من دعم مالي مشروط بطبيعة مشاريعها وتوافقها مع ضوابط الدعم لجهات ألمانية وأوروبية ودولية أخرى، اقتراحاً ينطوي على العديد من الجوانب العملية، إذا ما نجحت إدارة تلك الجمعية في التعامل مع ما تتيحه تلك الصيغة القانونية من إمكانات العمل والدعم. ولكن …..؟
إن قانون الجمعيات ذات النفع العام يوجب أن يكون الحد الأدنى لمؤسسيها سبعة أشخاص، طبيعيين أو قانونيين. يحدد هؤلاء الأشخاص في جنسياتهم وهيئتهم الإدارية طبيعة هذه الجمعية، أجنبية أم ألمانية. كما يوجب القانون أن يتضمن طلب التسجيل، ومن خلال كاتب عدل رسمي، تقديم النظام الداخلي للجمعية متضمناً ما أشرت له، وموقعاً عليه من قبل الأعضاء المؤسسين أو ممثليهم الرسميين، مشفوعاً بمحضر التأسيس الموقع عليه من المخولين من أعضاء الهيئة الإدارية المنتخبة بموجب محضر انتخاب خاص.
في هذه الحالة يمكن أن تأخذ الجامعة وبيت الحكماء والنخب أشكالاً قانونية مختلفة كالشركة المساهمة، وهي أنواع من حيث عدد الشركاء، حيث يتيح القانون إمكانية تأسيسها حتى من قبل مساهم واحد، وملكيتها، والشركة ذات المسؤولية المحدودة، وهي الأخرى أنواع من حيث عدد شركائها، حيث يتيح القانون كذلك إمكانية تأسيسها حتى من قبل مالك واحد، وملكيتها وطبيعتها المالية بخصوص نفعيتها العامة أو الخاصة، واعتبار مثل هذه الشركات تابعة للشركة الأم وهي، في هذه الحال، الجمعية ذات النفع العام. كما يمكن أن تقوم الجامعة وبيت الحكماء كمشاريع تشرف عليها الجمعية مباشرة.
إن العمل في إطار الصيغة القانونية للجمعية ذات النفع العام، لا سيما في ما يخص عضويتها وديمومة تلك العضوية، وإدارتها وصلاحيات اتخاذ قراراتها، والحرص على أهدافها رهين بالتجانس في حدود المسؤولية المالية والالتزام الأدبي لأعضاء الجمعية بديمومة أعمال الجمعية وأهداف تأسيسها وضمان جدوى الاستمرار بمشاريعها، مع الإشارة إلى أن هناك من الصيغ القانونية الإضافية التي تنظم بعض ما ذهبت إليه من تحفظات وتحد من سلبياته ولكن دون ضمان أكيد.
صيغة الشركة الرأسمالية:
سأتناول فقط صيغتي الشركة المساهمة والشركة ذات المسؤولية المحدودة.
صيغة الشركة المساهمة:
يمكن أن تقوم الجامعة ومشروعها “بيت الحكماء والنخب” على شكل شركة مساهمة حسب الضوابط القانونية، من حيث بلد تسجيلها، حيث يجري توزيع رأسمال الشركة، الذي يحدد بموجب بلد التسجيل، على شكل أسهم يمتلكها شخص أو أكثر، قانوني أو طبيعي، ويديرها مجلس إدارة يعين من قبل هيئة المساهمين.
صيغة الشركة ذات المسؤولية المحدودة:
يجيز القانون الألماني، على سبيل المثال صيغتين من حيث نفعية الشركة: عامة وخاصة.
الشركة ذات المسؤولية المحدودة (ذات النفع العام):
ويراد بذلك طبيعة النشاطات التي تقوم بها الشركة وقيود التصرف بالموارد المالية وبعوائد عمل الشركة من الأرباح والجوانب الضريبية. فالشركة ذات المسؤولية المحدودة وذات النفع العام تؤسس بموجب ذات الاشتراطات من حيث رأس المال الابتدائي الذي لا ينبغي أن يقل عن خمس وعشرين ألف يورو تقريباً (لم يجر تعديل على التحديد السابق والبالغ 50 ألف مارك ألماني قبل إعتماد اليورو)، حيث يوضع نصف هذا المبلغ في حساب باسم الشركة قيد التأسيس ونصفه الآخر على شكل أصول للشركة. تسجل الشركة في السجل التجاري. أما إدارة الشركة فيجري تحديدها من قبل المالكين في عقد تأسيس الشركة والسجل التجاري. إن صيغة الشركة ذات المسؤولية المحدودة ذات النفع العام قد تفيد في مسائل الحصول على دعم في تمويل مشاريع تنطوي ضمن أهداف برامج محلية أو دولية، ولكنها لا تخلو من ضوابط مالية وتدخلات قد لا تنسجم وطبيعة أهداف وآليات عمل الجامعة ومشروع “بيت الحكماء والنخب”.
الشركة ذات المسؤولية المحدودة الاعتيادية( ذات النفع الخاص):
أما صيغة الشركة ذات المسؤولية المحدودة الاعتيادية، أي ذات النفع الخاص، فهي تتشابه من حيث مستلزمات تأسيسها وتسجيلها من الناحية المالية والإجرائية والإدارية، لكنها تختلف عنها من حيث حدود التصرفات المالية وتوزيع عوائد عمل الشركة والجوانب الضريبية.
إن أغلب الكليات والمعاهد والمدارس العلمية وبيوت الخبرة والاستشارات الخاصة والأجنبية قائمة، وحسب معلوماتي الشخصية، بصيغة الشركات ذات المسؤولية المحدودة لاعتبارات عديدة منها:
– المستلزمات الرأسمالية.
– السهولة النسبية في إجراءات التسجيل.
– عملية اتخاذ القرار بيد المالكين أو من يخولونهم وحدود ذلك التخويل.
– محدودية المسؤولية المالية للمالكين في إطار رأسمال الشركة.
– عدد المالكين غير محدد.
– رأسمال الشركة وملكيتها غير محددة (عدا شرط الحد الأدنى لرأس المال عند التسجيل).
إنني أحبذ هذه الصيغة لمشروع الجامعة وبيت الحكماء والنخب بسبب صيغة ملكيته وإدارته ومرونته وحدود مسؤولياته المالية.
الجانب الإداري:
يتناول الجانب الإداري، في معرض حديثي في هذا المجال، شقين أساسيين من العمل الإداري بمفاهيمه التخطيطية والتنظيمية، وفي مرحلتيه التحضيرية والتنفيذية الأولى على أقل تقدير.
إن مشروعي “جامعة المستقبل” و”بيت الحكماء والنخب” ، والتي نحن بصدد النقاش في أمر تحقيقهما في برلين، هما مبادرة من شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، وبالتحديد من صاحب المبادرة الدكتور سعيد عبد الله سلمان، رئيس هذا الشبكة ورئيس رابطة المؤسسات العربية الخاصة للتعليم الجامعي. وبما أن المبادرة قد تجاوزت حدود الفكرة وتحديد الأهداف والرؤى الاستراتيجية، لا بل وأصبحت واقعاً في خصوصياتها وتجاربها ودعمها المالي، فإننا نجد أنفسنا في مرحلة لاحقة تتعلق ببحث مستلزمات تحقيق هذا المشروع على أرض ألمانيا وفي مدينة برلين على وجه التحديد. يضاف إلى ذلك ما مهدت له الندوة من تعريف بالمبادرة ومشروع بيت الحكماء والنخب وأداته الجامعية، والدعوة لمساهمة الكفاءات للانخراط في مجموعات العمل وعضوية هذا المشروع.
خطوات متابعة العمل:
- تشكيل هيئة عليا لمتابعة تنفيذ مشروع بيت الحكماء والنخب.
- الاتصال بعدد من الكفاءات وذوي الاختصاصات والخبرات بخصوص المساهمة في تنفيذ المشروع.
الهيئة العليا لمتابعة تنفيذ المشروع:
تتولى الهيئة المؤهلة والمؤمنة بأهداف المشروع وجدواه وإمكانيات تحقيقه جملة المهام التالية:
– اختيار أنسب الصيغ القانونية للمشروع.
– تحديد شكل إدارة المشروع واختيار أصحابها.
– إعداد دراسات جدوى المشروع الاقتصادية والمالية والفنية.
– وضع النظام الأساسي لجمع المعلومات عن الكفاءات والنخب وآليات ذلك.
– تحديد المجالات الأكثر حيوية في عمل المشروع كمرحلة أولى واختيار راعيها.
– وضع السقوف الزمنية لتنفيذ مراحل المشروع.
– وضع الميزانيات المالية لمراحل تنفيذ المشروع وفق مقترحات البدائل.
تشكيلة الهيئة:
إن تشكيلة الهيئة يجب أن تشتمل على:
– صاحب المبادرة، الدكتور سلمان أو من يخوله من جامعة أو إمارة عجمان
– ممثل عن الجانب السياسي أو الدبلوماسي العربي
– ممثل عن سفارة الإمارات العربية المتحدة في برلين
– ممثل عن جهة ألمانية، من أصل عربي، ذات علاقة بأهداف المشروع
– ثلاثة على الأقل من ذوي الخبرة والكفاءة
إن ضرورات العمل تقتضي تفرغ شخصين من ذوي الكفاءة والسيرة على الأقل لمتابعة أعمال الهيئة العليا، إذا ما أريد للعمل النجاح.
الجانب الاختصاصي:
هناك، في تقديري، ثلاث عوامل أساسية في تحديد اختيار مجالات عمل “بيت الحكماء والنخب” وأداته الجامعية:
– عامل الإمكانات التخصصية والكفاءات المتوفرة واستعدادها للتعاون مع المشروع
– عامل أسبقيات الحاجات لهذه الإمكانيات والخبرات
– عامل تكاليف وعائدية الاستفادة من هذه الإمكانيات والكفاءات
أما ما هي السبل للوصول إلى هؤلاء الكفاءات والخبرات، فإن هناك العديد من الوسائل منها:
– الندوات والرسائل التعريفية بالمشروع في أهدافه وأبعاده
– الإعلان في الصحف والمجلات
– الإعلان من خلال الجمعيات والجاليات العربية
– الإعلان من خلال المؤسسات العلمية والبحثية
– الإعلان من خلال الملحقيات المختصة في السفارات العربية
إن تولي مهام المجالات المعينة من قبل ذوي الاختصاص سيساعد في الوصول إلى الكفاءات والخبرات ذات العلاقة بذاك الاختصاص.
الجانب المالي:
إن الحديث عن الجانب المالي في تحديده سابق لأوانه لجملة أسباب منها، طبيعة الصيغة القانونية التي سيقوم المشروع بموجبها، حجم المشاريع المنوي المباشرة بها، طبيعة ملكية الأصول التي سيجري استخدامها في العمل، وغيرها من الأسباب. كما سبقت الإشارة إلى أن أحد أهم مهام الهيئة العليا لتنفيذ المشروع هو ضرورة وضع الميزانيات المالية لمراحل تنفيذ المشروع وفق مقترحات البدائل.
د. نزار محمود
برلين، في 27/2/2005
* على هامش ندوة برلين بخصوص مشروع “بيت الحكماء والنخب” سمحت لي الفرصة أن أتحدث إلى الأخ الدكتور سعيد سلمان، بخصوص موضوع آخر يتعلق بفكرة تأسيس جامعة ألمانية خاصة في العراق، حيث أبدى اهتمامه بالموضوع باعتباره كذلك رئيساً لرابطة المؤسسات العربية الخاصة للتعليم الجامعي، وطلب مني أن أكتب له حول الموضوع. وفعلت ذلك وأرفقت كذلك نسخة عن مقالة بعثت بها لصحيفة الدليل البرلينية حول ندوة المشروع. وكم سرني أن اتصل بي تلفونياً، وفي اليوم الثاني، الأستاذ أحمد فوزي، مدير مكتب الدكتور سعيد سلمان، ناقلاً شكر واهتمام الدكتور سلمان برسالتي ومستفسراً عن تقديمي لعضوية المشروع وإمكانية نشر هذه المقالة في صحيفة الشرق الأوسط، باعتبار أن ذلك شكل من حقوق الملكية الفكرية. شكرته على الاهتمام بالرسالة والرد السريع والاستئذان بنشر المقالة. مرفق نسخة المقالة.
أحدث التعليقات