ضرورة الابداع في عالمنا العربي
من لا يأتي بجديد… فليس بجديد على الحياة
د. نزار محمود
المعهد الثقافي العربي
لقد كشف تقرير التنمية البشرية أن عالمنا العربي يعاني من تخلف كبير على صعيد الواقع
التعلمي والعلمي وبالتالي الثقافي والحضاري. إن نظرة تحليلية لهذا الواقع تكشف عن أسباب
ذلك التخلف وظروفه التاريخية والسياسية والاقتصادية. وتلك الأسباب ليست “بيولوجية”
مرتبطة بتكويننا العضوي كعرب أو مسلمين. فتاريخ حضاراتنا وازدهارها وما يتلألأ هنا
وهناك في عالمنا العربي من كواكب مستنيرة ومنيرة يبرهن على أننا أمة حية يمكن أن تتميز
بعطائها الإنساني وأهليتها في حمل رسائل يعجز الآخرون عن حملها. لكن متى كانت هذه
الأمة مزدهرة بحضاراتها، وما هي شروط ومقومات ذلك الإزدهار ورجالاته؟ والسؤال
الأكثر إلحاحاً وأهمية في الوقت الحاضر هو: كيف السبيل للنهوض بهذه الأمة، ومن هم حملة
مشاعل تلك النهضة؟
لأسباب تاريخية كثيرة، لا مجال للخوض فيها في هذا المقال، سبت هذه الأمة قروناً من
الزمان بعد ازدهارها على أيام العصر العباسي. لسنا من أؤلئك الذين يعلقون كل أسباب
حالات التخلف على شماعات “الأعداء” والغرباء. إن تاريخ الإنسانية، ومنذ صراع هابيل
وقابيل أبناء سيدنا آدم عليه السلام، لم يخلو من الاختلاف والخلاف والرغبة في سيطرة هذا
على ذاك. إنها سنة حياة البشر في حلوها ومرها. الأهم أن نعمل على أن نتمكن من إعمار
الأرض بما يرضي الله ويحقق لنا وللآخرين من عباده سبحانه وتعالى الرضا والسعادة في
هذه الدنيا. ذلك الرضا الذي يعني اشباع حاجات الانسان وتلبية رغباته المشروعة المتنامية
والتخفيف عنه في صعوبات العيش، وتلك السعادة التي تجعله مرضياً عنه من قبل الله ليكون
من عباده الصالحين المطمئنين ومن أهل جنته أملاً وثواباً.
في بدايات التاريخ سجلت حضارات وادي النيل والرافدين وغيرها من حضارات الشرق
القديم صفحات رائعة في اكتشافاتها واختراعاتها، وساهمت في خلق التراكمات الحضارية
الإنسانية، حيث كان الآخرون لا يزالون يعيشون الكهوف المظلمة ويعتلون أغصان أشجار
الغابات. ويتعاقب الزمان فتشرق في بلاد الإغريق والرومان شموس نهضة حضارية في
فكرها ووسائلها، حتى جاء الإسلام مفجراً في الإنسان طاقات العدل والإبداع، فكانت الإدارة
والتنظيم والتدوين وبناء الأساطيل وإقامة حضارة قرطبة والأندلس في أوروبا، لتعلو بعدها
هامات العلم والثقافة على ضفاف دجلة في دار حكمة المأمون في بغداد، ولتصبح كعبة
العلماء والمفكرين من كل حدب وصوب.
وليس هناك من تفسير لتلك النهضة وذلك التقدم غير الإبداع. فعندما نتحدث عن اختراع
الكتابة مثلاً، فإننا نتحدث عن أكبر عمل إنساني في تاريخ البشر كرمه الله في أول آيات
قرآنه. هذا الاختراع هو ابداع إنساني هائل نقل البشرية من حالة إنسانية إلى أخرى سافرت
آلاف السنين في مستقبل الإنسان. وهكذا كان الإبداع في وضع القوانين وأنظمة الري والسقي
وتنظيم المدن وصنع العجلات والتعدين والعمران وطب الإنسان.
والإبداع بما يعنيه من كونه اختراع على غير مثال سبق، كما جاء في موسوعات المعرفة،
وأن ترى ما لا يراه الآخرون أو المألوف بطريقة غير مألوفة، أو أن تعالج مشكلة بطريقة لا
يقدر عليها الآخرون، هو طاقة عقلية هائلة فطرية في أساسها، اجتماعية في نمائها، مجتمعية
إنسانية في انتمائها. (أنظر: موسوعة ويكيبيديا)
ولأننا، نحن العرب، لم نعد مبدعين منذ مئات السنين، كما أصبح الآخرون، تخلفنا وأصبحنا
نتعثر الخطى في أذيال مواكب المتقدمين.
إننا اليوم في عالمنا العربي بأمس الحاجة إلى رجالات مؤمنين بدور هذه الأمة، قادرين على
فهم أسباب آكوتها وتخلفها، مبدعين في تصور مشاريع نهضتها، آخذين بالحسبان ظروف
الزمان والمكان، مستعينين بعد الله، بمعطيات التقدم من علوم الزمان.
في القرن الماضي قامت محاولات عديدة للنهوض بالأمة إلا أنه لم يكتب لها النجاح. فقد
قامت أحزاب وجمعيات ومؤسسات وشخصيات بطرح العديد من مشاريع النهضة. منها ما
بقي في حدود الورق، ومنها ما اختفى بعد فترة قصيرة وغيرها مما ترك هنا وهناك بصمات
وآثار لم ترق إلى إحداث نهضة حقيقية مستمرة. أحزاب قومية وأخرى دينية، جمعيات ثقافية
وغيرها اجتماعية، مشاريع وطنية حكومية أو شعبية، دلت بدلوها ليخرج فارغ النهضة
محسورا. كثيرة تلك الندوات والمحاضرات التي علا فيها الهتاف والصراخ لكنها لم تر
وليدها الذي انتظرته صباح مساء.
ولعلي لست الوحيد الذي يرى في الأسباب التالية ما يفسر فشل المحاولات:
-1 النظرة اللاواقعية في تحديد أسباب تخلف الأمة
-2 الرؤية الستراتيجية غير الشاملة والمتكاملة في مشروع النهضة
-3 الرومانسية والطوباوية أو القسرية في تطبيق مشاريع النهضة وآلياتها
-4 إغفال ظروف الزمان والمكان
-5 محدودية الإمكانات وعدم القدرة على الاستفادة من أو “تثمير” الامكانات المتاحة
-6 عدم القدرة على الاستفادة من معطيات العصر العلمية والتقنية
-7 عدم النجاح في تطمين الحاضنة السياسية وكسبها لصالح المشروع النهضوي
-8 إغفال تهيئة الحاضنة الاجتماعية لتقبل فكرة ضرورة النهضة وتحفيزها للمساهمة في
تطبيقها، أو عدم التوفق في إختيار الحاضنة الملائمة.
2/12/2010
شخصيا ارى ان الابداع يحارب في عالمنا العربي .. انا ذكرت مجموعة من الاسباب التي تقتل المبدعين في هذا المقال
https://www.sasapost.com/opinion/dont-kill-creative/