د. نزار محمود
رئيس جمعية نينوى – برلين
تقف نينوى على مفترق طرق مصيرية تتعلق بكينونتها الاجتماعية وتاريخها الإنساني ودورها الحضاري الممتد عبر آلاف السنين. مدينة عاش فيها الأنبياء والمفكرون وممن أسهم في التراث الثقافي الإنساني، كما قامت فيها عاصمة الامبراطورية الآشورية أحدى كبريات الامبراطوريات في التاريخ الإنساني القديم التي تركت وراءها إرثاً حضارياً شاهداً على عظمة انجازاتها.
طبيعتها الجميلة المتنوعة، وأرضها المعطاءة التي ترويها مياه دجلة العذبة، وبيوتها التي تحكي خصوصيات فن عمارتها، وأسواقها وأزقتها، ومنائر جوامعها ومدببات كنائسها. وقبل هذا وذاك رجالاتها وما قدموه للحياة من عصارات أفكارهم ومهاراتهم. موسيقاهم عبرت البلدان، أغانيهم الجميلة ترددت على ألسن الملايين من الناس مطربة أسماعهم.
عرفت نينوى عبر التاريخ ألواناً من الرخاء والسخاء، وكذلك الفاقة والحرمان. عاشت أيام سلام وخاضت ايام حروب منتفضة دفاعاً عن حرماتها، وسيبقى التاريخ يذكر بكبرياء صمود المدينة بوجه الهجمة التي قادها “نادر شاه”.
في حضارة وثقافة هذه المدينة تعايش بشر اختلفت أصولهم ولغاتهم ومشاربهم في سلم اجتماعي منقطع النظير مشكلة “موزائيكاً” متعدد الألوان بهيج. تتشابك الأيادي وتتعانق محبة الناس في أخوة ووداد في دبكة عربية هنا، وعلى وقع مزمار وطبل هناك.
لكن أبناء هذه المدينة الكبيرة في عمرها وسكانها يبقوا بشراً، فلم تخلو المدينة من صراعات، فأهل الريف غير أهل المدينة، وصلوات المساجد غير ترانيم الكنائس، ولغة العرب غير لهجة الكرد، وهكذا أحوال الأغنياء وجموع الفقراء…
ولم تكن تلك الصراعات لتحتدم إلا عندما تتعاون مكائد أعداء المدينة من ناحية، وتغيب الشهامة والكرامة والإستعداد للتضحية عند أبنائها من ناحية أخرى.
ولما كنا نعيش، نحن أبناء نينوى، محنة تاريخية قلما مررنا بها، فإننا وجميع المخلصون والغيورون مدعوون لأن نتحاور بوعي ونعمل بنكران ذات ونرفع رايات الشهامة والنخوة للذود عن ضياع كيان تلك المدينة الضاربة جذور حضارتها في التاريخ، ولكي لا يعاتبنا المستقبل عن حاضرنا وماضينا ودورنا الإنساني والأخلاقي…
أحدث التعليقات