قراءة – استنتاجات – مقترحات
د. نزار محمود
المعهد الثقافي العربي
إن التأثير الهائل الذي تمارسه وسائل الإعلام في تشكيل وعي ومواقف المتلقي من فرد أو مؤسسة أو جماعات وحتى حكومات يجعل من الوقوف على صورة العالم العربي والإسلامي في الإعلام الألماني ضرورة حيوية لتقييم ما يطرحه هذا الإعلام من حيث خطابه واهتماماته ووسائله وأساليبه. وإذا كان الإعلام الألماني يتشابه إلى هذا الحد أوذاك مع نظيره في الدول الغربية، وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا، فإنه يتميز عنها أحياناً لأسباب وظروف وعوامل سنأتي على الإشارة إليها.
ومن أجل الفهم الموضوعي لهذا الإعلام في تعرضه لقضايا العالم العربي والإسلامي لا بد من أخذ مجموعة من العوامل بنظر الإعتبار منها:
الجانب السياسي والتاريخي:
فألمانيا بلد أوروبي تحكمه حكومة فيدرالية بمقاطعاتها الست عشر وحكوماتها المحلية التي يصادق عليها البرلمان الفيدرالي وبرلمانات المقاطعات، والتي تشكلها الأحزاب الفائزة في الانتخابات العامة والمحلية. إن هذه الصيغة الدستورية لنظام الحكم كانت إحدى نتائج الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها ألمانيا مهزومة ومحتلة ومقسمة وخاضعة لتحالفات واتفاقات سياسية وعسكرية واقتصادية شاملة. ولعل أبرز تلك التحالفات هي عضوية ألمانيا في حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي. كما تشكل القضية اليهودية قيد كبير على حرية القرار السياسي والنشاط الإعلامي ومؤسساته.
من ناحية أخرى تلعب المفاهيم والقيم والممارسات السياسية القائمة على الفهم الأوروبي الغربي للديمقراطية وحقوق الإنسان وحرياته، إضافة لظروف تحديد أهداف وبرامج الأحزاب وقياداتها، دورها المؤثر في تحديد أهداف وسياسات ومواقف الأحزاب والمؤسسات السياسية. كما أن دور الدولة ومؤسساتها القائمة على مبدأ فصل الدين عن الدولة يجسد تطبيقه هو الآخر في آليات عمل الدولة الألمانية، ولكن ليست بالصورة القطعية التي قد يتسطح تفكير البعض في إعتقادها.
وأخيراً فإن عدم تمتع ألمانيا بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن بسبب الظروف التاريخية لنشأة عصبة الأمم المتحدة وهيئة الأمم المتحدة لاحقاً، وعلاقة ذلك بالحربين العالميتين، ورغبة ألمانيا في الحصول على هذه العضوية يشكل هو الآخر عاملاً مهماً في تحديد المواقف السياسية لألمانيا على المستوى العالمي، وما يتطلبه ذلك من مواقف وممارسات.
الجانب الاقتصادي:
إن القوة الاقتصادية والتقنية الكبيرة التي تتمتع بها ألمانيا وطبيعة منتجاتها وشركائها الاقتصاديين من مستوردين ومصدرين ، ومصادر طاقتها ومحددات أسواقها الخارجية القائمة على جملة من العوامل السياسية والعسكرية والتاريخية تساهم بمجموعها في خلق شروط موضوعية ووضعية للتعامل الاقتصادي والتجاري مع الدول والشعوب المختلفة، في إطار تصورات تحالفية جماعية لخرائط وفضاءات التعاملات الاقتصادية.
الجانب الإعلامي:
إن المؤسسات الإعلامية سواء منها الحكومية أو الخاصة هي حصيلة ما أشرنا له من ظروف ووقائع تاريخية وسياسية وعسكرية وتحالفية لألمانيا تمثلت في الالتزامات والشروط والقيود الدولية التي تحملتها ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ونظامها السياسي الفيدرالي والقواعد العسكرية لحلفي الأطلسي ووارشو (حتى إعادة توحيد ألمانيا عام 1989) وتحالفاتها الدولية وشروط تعاملاتها العسكرية والاقتصادية، والتي شكلت لاحقاً آفاق واتجاهات تطور علاقات المانيا على جميع الأصعدة.
من هنا فإن المؤسسات الإعلامية، بإعتبارها مرآة سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية لبلد تلك الخصوصيات والظروف التاريخية والسياسية، لا بد أن تعمل بما ينسجم ويتناغم مع تلك المعطيات والآفاق.
ولا يفوتنا أخيراً أن نشير إلى مسألة القوانين والأنظمة الحاكمة وظروف التعامل معها بخصوص ملكية وأهداف وسياسات وإدارة المؤسسات الإعلامية من تلفزة ودور نشر وإذاعة ومجلات وصحف وغيرها.
أهم وسائل الإعلام الألمانية:
من الطبيعي أن يكون لألمانيا، كدول كثيرة، وسائل إعلامها الخارجي ومؤسسات إعلامها الداخلي. ولكل من هذين الإعلامين أهدافه وسياساته وأساليبه ووسائله ولغته تبعاً لخصوصيات متلقي خطابه ورسائله الإعلامية. فإذا كانت الأهداف الأساسية للإعلام الخارجي سياسية وحضارية ودعائية في معظمها، فإن بناء الوعي السياسي والإقتصادي والثقافي الجمعي للمواطن المحلي هو أهم هدف للإعلام الداخلي.
أما أهم المؤسسات الإعلامية الألمانية والتي تساهم في تشكيل الوعي السياسي والثقافي وبالتالي التأثير على المواقف فهي:
- المؤسسات الإعلامية لهيئات الحكومة والبرلمان الفيدرالية والمحلية، كالأقسام المتخصصة في وزارات الخارجية والداخلية والمجموعات البرلمانية.
- القنوات التلفزيونية الحكومية مثل (ZDF, ARD, PHÖNIX) والقنوات التلفزيونية الخاصة مثل (SAT1, ntv, Pro 7, RTL, VOX)
- المحطات الإذاعية الحكومية مثل (RBB, Deutschland Radio) وبعض المحطات الخاصة مثل (RS2, 100,6)
- دور النشر مثل (Bertelsmann, Springer Verlag, Spiegel)
- المجلات مثل (Der Spiegel, Der Stern, FOCUS)
- الصحف مثل (Frankfurter Rundschau, Die Welt, Frankfurter Allgemeine, Die Zeit, Berliner Morgenpost, Der Tagesspiegel, Handelsblatt, taz, Berliner Zeitung, Das Bild, BZ)
- المؤسسات والمعاهد التي تدعم من قبل الحكومة الإتحادية وتقوم بمهام إعلامية وثقافية وبحثية مثل ( دويتشه فيله، معهد غوته، معهد الشرق)
- الأقسام والمعاهد والمراكز البحثية المختصة في عدد من الجامعات وكذلك مراكز ومعاهد البحوث الأخرى، لا بل والمدارس الألمانية
- عدد من صفحات الانترنت الإعلامية
أن المادة الإعلامية التي تعدها هذه المؤسسات بخصوص العالم العربي والإسلامي والصورة التي تكونها لا يمكن أن تكون متطابقة تماماً بحكم ملكية وأهداف المؤسسات وسياساتها، وليست هي ذاتها في كل الظروف والأوقات، إلا أن ملامحها الرئيسية تبقى مشتركة ولها ذات الاتجاه، ويمكن إجمال ذلك بالنقاط التالية:
- المهنية العالية نسبياً في إعداد البرامج والتقارير والأخبار الإعلامية والتعليقات والتحليلات ووسائل عرضها أو إيصالها
- رصانة العمل الإعلامي في إعداده وإخراجه وتقديمه
- “موضوعية” المادة الإعلامية في إطار المفاهيم والمصالح والنظرة الألمانية والغربية
صورالعالم العربي والإسلامي في الإعلام الألماني:
إن صور العالم العربي والإسلامي التي تتناولها المؤسسات الإعلامية الألمانية من قنوات تلفزوينية وإذاعية وكتب ومجلات وصحف ودراسات وغيرها تركز على جملة مشتركات يمكن عرضها وفق الجوانب التالية:
الجانب العقائدي والروحي:
لما كان غالبية العرب ينتمون إلى الدين الإسلامي فإن ملامح الإسلام في عقيدته وتعاليمه ونظامه وتطبيقاته ومذاهبه لا تخلو من أي صورة للعالم العربي وغالباً من خلال عدسات ذات تحدبات أو تقعرات!
ولعل أبرز هذه الموضوعات وأكثرها تكراراً في التناول والإشارة في هذا الجانب هي:
– تعدد الزوجات
– قوامة الرجل
– الحجاب
– حقوق الإنسان
– حقوق المرأة
– الجهاد
– الأرث
– شهادة المرأة
– الزواج وما يتعلق بشؤونه من إختيار الشريك وشروط الزواج وموضوع المهر وغيرها
– إقامة الحد في قضايا السرقة أو الزنا أو الخيانة الزوجية أو الإرتداد عن الإسلام
– لحم الخنزير
– الكحول
– الصيام وشهر رمضان
يجري تناول هذه الأمور غالباً بمنطق غربي لا ديني، وبصورة تهكمية واستعلائية.
الجانب السياسي:
إن تخلف وفساد الأنظمة السياسية العربية والإسلامية في كثير من الدول، لأسباب، ساهمت الدول الغربية ذاتها في نشوئها أحياناً، أصبحت عاملاً مساعداً ومشجعاً لممارسة سياسات فرق تسد والتأثير على مقدرات شعوبنا. إن دعوات الحق، التي يراد بها باطل، من حرية وديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين المرأة والرجل، وديكتاتورية الأنظمة أو شموليتها وغيرها من شعارات حصان طروادة تجد أصداءها في مؤسسات الإعلام الغربي ومنها الألماني، والتي تؤدي بطبيعة الحال إلى طبع صورة معينة عن العالم العربي والإسلامي في ذهنية ومواقف المواطن والمؤسسات.
الجانب الاقتصادي:
يحاول الإعلام الغربي ومنه الألماني باختصار الصورة الاقتصادية عن العالم العربي والإسلامي بموضوعات النفط والفقر. فهناك دول عربية وإسلامية تمتلك الكثير من البترول الذي يتحكم به شيوخ وأمراء لا يملكون أمر استخراجه أو تصنيعه أو تسويقه. وهناك الملايين من أبناء العالم العربي والإسلامي ممن لا يجدون الغذاء والدواء والتعليم الكافي. من هذه الزاوية تظهر صورة العرب والمسلمين الاقتصادية كونهم مجتمعات بائعة لثرواتها ومستهلكة لمنتجات وتقنيات الغرب. كما تظهر تلك الصورة عجز هذه المجتمعات على إدارة مواردها وتحقيق تنمية ونهوض اقتصادي يخرجها من حالة التبعية والفقر والاعتماد على الآخر.
الجانب الثقافي والحضاري:
إن صوراً كالصحاري والرمال والجمال والرقص الشرقي والحريم والسلاطين والعبيد لا تخلو منها أي تصورات أو خيالات غربية عن عالمنا العربي والإسلامي. وحيث أن الحالة الثقافية والحضارية على علاقة وطيدة بالجوانب الروحية والعقائدية والسياسية، تصبح مسألة إختلاط الأوراق التي تجسد صورة العالم العربي والإسلامي مسألة واقعية.
إن هواجس الإستعلاء الثقافي والحضاري المتعاشقة مع مكنونات الوعي الباطن وطموحات المستقبل تعزز ملامح هذه الصورة في الإعلام الغربي ومنه الألماني.
مقترحات موجزة في كيفية التعامل مع الإعلام الألماني:
في ضوء ما ذهبنا إليه من قراءة لظروف وواقع الإعلام الألماني، ومن أجل المساهمة في التأثير الإيجابي البنّاء والمنصف لصورة العالم العربي والإسلامي في هذا الإعلام، نخلص إلى عدد من المقترحات التي نتمنى أن تكون صائبة وعملية وتلقى إستجابة في من يعنيهم الأمر من أفراد ومؤسسات وهيئات عربية وإسلامية.
وإنطلاقاً من الوعي العميق لظروف وواقع الإعلام الألماني في أهدافه السياسية والثقافية والاقتصادية والتجارية نقترح ما يأتي:
- قيام الجامعة العربية بالتعاون مع وزارات الخارجية وسفاراتها والثقافة والإعلام العربية ومؤسساتها المتخصصة بوضع دراسة شاملة لإعلام عربي وإسلامي وإعداد خطط عمل وبرامج وسياسات تأخذ بنظر الإعتبار ما ذهبنا إليه من جوانب في الإعلام الغربي ومنها الألماني.
- تأسيس مركز لإعداد الكوادر الإعلامية للخارج وإجراء الدراسات والبحوث وتعديل الخطط الإعلامية
- دعم وتفعيل عمل الفضائيات العربية مهنياً وتقنياً ولغوياً
- التعاون الايجابي والمثمر مع الطاقات والمؤسسات الإعلامية والبحثية الأجنبية
- تجنب أساليب الدعاية القديمة والمتخلفة والتي لا تحاكي عقل وذوق وهوى المتلقي الأجنبي
وأخيراً فإن مثل هذه الإجراءات تكون فاعلة عندما
– تكون كفوءة وأمينة في القائمين عليها
– مدعومة بصدق من قبل المؤمنين بنبل أهدافها …
برلين، 21/2/2007
أحدث التعليقات